responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 166
فَلْيَضْحَكُوا مَعَ قَوْلِهِ: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى وقوله: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مع قوله: إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وقوله: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ مع قوله: قُلْ سِيرُوا وَالثَّانِي: الْمُرَادُ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي الْمَاضِي لِيَكُونَ ذَلِكَ دَاعِيًا لَهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَالثَّالِثُ: أَصْلُ التَّوْبَةِ الرُّجُوعُ، فَالْمُرَادُ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَرْجِعُوا إِلَى حَالِهِمْ وَعَادَتِهِمْ فِي الِاخْتِلَاطِ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَزَوَالِ الْمُبَايَنَةِ فَتَسْكُنَ نُفُوسُهُمْ عِنْدَ ذلك. الرابع: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا أَيْ لِيَدُومُوا عَلَى التَّوْبَةِ، وَلَا يُرَاجِعُوا مَا يُبْطِلُهَا. الْخَامِسُ: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَنْتَفِعُوا بِالتَّوْبَةِ وَيَتَوَفَّرَ عَلَيْهِمْ ثَوَابُهَا وَهَذَانِ النَّفْعَانِ لَا يَحْصُلَانِ إِلَّا بَعْدَ تَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ قَبُولَ التَّوْبَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى اللَّهِ عَقْلًا قَالُوا: لِأَنَّ شَرَائِطَ التَّوْبَةِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ قَدْ حَصَلَتْ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ. ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا قَبِلَهُمْ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِمْ وَتَرَكَهُمْ مُدَّةَ خَمْسِينَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ، وَلَوْ كَانَ قَبُولُ التَّوْبَةِ وَاجِبًا عَقْلًا لَمَا جَازَ ذَلِكَ.
أَجَابَ الْجُبَّائِيُّ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ: يُقَالُ إِنَّ تِلْكَ التَّوْبَةَ صَارَتْ مَقْبُولَةً مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، لَكِنَّهُ يُقَالُ: أَرَادَ تَشْدِيدَ التَّكْلِيفِ عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يَتَجَرَّأَ أَحَدٌ عَلَى التَّخَلُّفِ عَنِ الرَّسُولِ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ جِهَادٍ وَغَيْرِهِ. وَأَيْضًا لَمْ يَكُنْ نَهْيُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ كَلَامِهِمْ عُقُوبَةً، بَلْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّشْدِيدِ فِي التَّكْلِيفِ. قَالَ الْقَاضِي: وَإِنَّمَا خَصَّ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ بِهَذَا التَّشْدِيدِ، لِأَنَّهُمْ أَذْعَنُوا بِالْحَقِّ وَاعْتَرَفُوا بالذنب، فالذي يجري عليهم، وهذه حالهم يكون فِي الزَّجْرِ أَبْلَغُ مِمَّا يَجْرِي عَلَى مَنْ يُظْهِرُ الْعُذْرَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّا مُتَمَسِّكُونَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ وَكَلِمَةُ (ثُمَّ) لِلتَّرَاخِي، فَمُقْتَضَى هَذَا اللَّفْظِ تَأْخِيرُ قَبُولِ التَّوْبَةِ، فَإِنْ حَمَلْتُمْ ذَلِكَ عَلَى تَأْخِيرِ إِظْهَارِ هَذَا الْقَبُولِ كَانَ ذَلِكَ عُدُولًا عَنِ الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ.
فَإِنْ قَالُوا: الْمُوجِبُ لِهَذَا الْعُدُولِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ.
قُلْنَا: صِيغَةُ يَقْبَلُ لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ لَا يُفِيدُ الْفَوْرَ أَصْلًا بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ الرَّحِيمِ عَقِيبَ ذِكْرِ التَّوَّابِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَبُولَ التَّوْبَةِ لِأَجْلِ مَحْضِ الرَّحْمَةِ وَالْكَرَمِ، لَا لِأَجْلِ الْوُجُوبِ، وَذَلِكَ يُقَوِّي قَوْلَنَا فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَقْلًا عَلَى الله قبول التوبة.

[سورة التوبة (9) : آية 119]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَمَ بِقَبُولِ تَوْبَةِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ، ذَكَرَ مَا يَكُونُ كَالزَّاجِرِ عَنْ فِعْلِ مَا مَضَى، وَهُوَ التَّخَلُّفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجهاد فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ فِي مُخَالَفَةِ أَمْرِ الرَّسُولِ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ يَعْنِي مَعَ الرَّسُولِ وَأَصْحَابِهِ فِي الْغَزَوَاتِ، وَلَا تَكُونُوا مُتَخَلِّفِينَ عَنْهَا وَجَالِسِينَ مَعَ الْمُنَافِقِينَ فِي الْبُيُوتِ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْكَوْنِ مَعَ الصَّادِقِينَ، وَمَتَى وَجَبَ الْكَوْنُ مَعَ الصَّادِقِينَ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الصَّادِقِينَ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ إِطْبَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْبَاطِلِ، وَمَتَى امْتَنَعَ إِطْبَاقُ الْكُلِّ عَلَى الْبَاطِلِ، وَجَبَ إِذَا أَطْبَقُوا عَلَى شَيْءٍ أَنْ يَكُونُوا مُحِقِّينَ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ الأمة حجة.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 166
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست